رغم محاولات النظام الإيراني التعتيم على ذكرى مقتل الشابة مهسا أميني على يد الشرطة، والذي أشعل انتفاضة غير مسبوقة على مدى أشهر، إلا أن المشاهد التي صنعها الإيرانيون، بقيت شاهدة على رغبتهم في التغيير للعيش بحرية.
في 16 سبتمبر 2022، توفيت الشابة الإيرانية الكردية، عن عمر 22 عاما بعد ثلاثة أيام من توقيفها من قبل شرطة الأخلاق في طهران، على خلفية عدم التزامها القواعد الصارمة للباس.
أشعلت الجريمة احتجاجات عارمة في البلاد، وانضمت شرائح عديدة من المجتمع الإيراني إلى المظاهرات العفوية التي تحولت سريعا لمطالبة رجال الدين الجاثمين على صدور الإيرانيين منذ ثورة 1979 بالانسحاب منتقدين بقوة غير مسبوقة النظام الثيوقراطي.
مع تحول المطالبة بحق النساء في الحرية إلى المطالبة بتغيير النظام، صعّدت السلطات الأمنية قمعها للمتظاهرين، حيث سقط مئات المحتجين بنيران الشرطة.
عائلة حيدري من بين أوائل العائلات التي أعلنت وفاة أحد أفراد أسرتها، بعد مقتل ابنها جواد في 22 سبتمبر 2022 أثناء احتجاجه في مدينة قزوين، حيث تم بث جنازته على الإنترنت.
بكت أخته فاطمة وهي تقص شعرها على نعشه، وقد انتشرت تلك الصور المؤلمة، إلى جانب مقاطع فيديو عائلية لجواد تمت مشاركتها عبر الإنترنت، على نطاق واسع “مما دفع العائلة إلى دائرة الضوء وجذب انتباه قوات الأمن والمخابرات لها بسرعة”.
قالت فاطمة حيدري، المقيمة الآن في تركيا، لصحيفة واشنطن بوست “بعد أيام قليلة مما حدث لأخي ومشاركتنا مقاطع الفيديو، تم اعتقالي واضطررت للذهاب إلى المحكمة لأنه تم استدعائي بتهمة الدعاية ضد الحكومة”.
در مراسم خاکسپاری جواد حیدری، از کشتهشدگان اعتراضات به قتل #مهسا_امینی، خواهر او موهایش را بر مزار برادرش کوتاه میکند. pic.twitter.com/g3lg4fUsqq
— +۱۵۰۰تصویر (@1500tasvir) September 25, 2022
وقتل المئات على هامش الاحتجاجات، بينهم عشرات من عناصر قوات الأمن، بينما تمّ توقيف الآلاف، وفق منظمات حقوقية. وأعلنت السلطة القضائية تنفيذ حكم الإعدام بحق سبعة من المدانين في قضايا متصلة بالتحركات.
اعتبرت السلطات بشكل عام التحركات “أعمال شغب مدعومة من أطراف خارجية”.
وكانت تلك التحركات من اللحظات المفصلية في تاريخ الجمهورية الإسلامية التي قامت مع انتصار ثورة الخميني في 1979، خصوصا وأنها مسّت جانبا اجتماعيا ودينيا يعدّ من ركائز الجمهورية، أي التزام الحجاب واللباس الإسلامي.
Burning Khamenei’s billboard in Yazd with a Molotov cocktail. One way to show how much he is hated inside Iran.
#MahsaAmini #مهسا_امینی #IranRevoIution pic.twitter.com/0Kv85GIo4k— Omid Memarian (@Omid_M) November 8, 2022
وبعد احتجاجات واسعة النطاق في الأشهر الثلاثة الأولى التي تلت وفاة أميني، تراجعت التحركات في أواخر العام، ما دفع مسؤولين إيرانيين إلى التأكيد أن البلاد تغلبت على المخطط المعد ضدها.
وعلى رغم تراجعها، مهّدت الاحتجاجات لاختلاف يبدو جليا في بعض مناطق طهران والمدن الكبرى، وهو تخلّي العديد من النساء عن الحجاب الإلزامي أو عن وضع غطاء للرأس في الأماكن العامة.
في المقابل، عمدت السلطات إلى تشديد لهجتها من خلال الإعلان عن قيود إضافية لضبط الالتزام بوضع الحجاب، مثل استخدام كاميرات مراقبة في الشوارع، وتوقيف ممثلات شهيرات لظهورهن من دون حجاب.
کرمان، میدان آزادی#مهسا_امینی pic.twitter.com/wk535lhtr9
— Kayhan (@cosmos196196) September 20, 2022
وكان الصحافيون الذين كشفوا بداية قضية مهسا أميني وحققوا في ملابساتها مستهدفين خصوصا في حملة القمع.
وبحسب منظمة “مراسلون بلا حدود”، أوقف 79 صحافيا خلال عام وما زال 12 منهم وراء القضبان. ومن بين هؤلاء العديد من النساء.
پرچم مازنیها ✌️👏
ساری، ۲۹ شهریور؛ مراسم روسریسوزان!#مهسا_امینی #مهساامینی pic.twitter.com/b2sAPJGIyV— Pouria Zeraati (@pouriazeraati) September 20, 2022
فبعد أقل من أسبوع من وفاة أميني، أوقفت الصحفية في صحيفة “شرق” اليومية نيلوفر حميدي (29 عاما) بعد إعدادها تقريرا من المستشفى حيث بقيت أميني في غيبوبة ثلاثة أيام قبل أن تتوفى ونشرها صورة للعائلة على الشبكات الاجتماعية.
ومن بين الصحفيين الموقوفين أيضا مراسلة صحيفة “هم ميهن” إلهه محمدي التي قامت بتغطية مراسم تشييع أميني في مسقط رأسها مدينة سقز في محافظة كردستان في غرب إيران.
وما زالت الصحفيتان محتجزتين مذاك وتحاكمان بانتهاك الأمن القومي، وهي تهمة تنفيانها بشكل قاطع.
يشار إلى أن جميع شرائح المجتمع الإيراني شاركت في ما وصف بأكبر انتفاضة ضد النظام منذ استيلائه على السلطة نهاية سبعينيات القرن الماضي.
وكان شباب الجامعات من بين أكثر شرائح المجتمع تأييدا لموجة المطالبة بالتغيير، حيث لم يثنهم قمع السلطات لهم من مواصلة تأييد الحراك الشعبي.
Students at Al-Zahra University—an all female uni in Iran—shout in protest upon President Ebrahim Raisi’s visit:
“Death to the oppressor, whether it is a king or a [supreme] leader”pic.twitter.com/PyoCPQIgr8
— Assal Rad (@AssalRad) October 8, 2022
في غضون ذلك، ورغم مرور عام على مقتل أميني، لا يزال الإيرانيون يعانون من عدة قيود، حيث شددت السلطات مراقبتها مواقع التواصل الاجتماعي، وكل وسائط الإنترنت.
وفرضت إيران قيودا على الإنترنت منذ اندلاع الاحتجاجات قبل عام على خلفية وفاة مهسا أميني، ما أجبر السكان على البحث عن طرق بديلة لإدارة أعمالهم التجارية أو التواصل مع أحبائهم.
ومنذ العام الماضي، بات العثور على وسائل للالتفاف على قيود الإنترنت أمرا شائعا في إيران حيث حظرت السلطات بشكل متكرر على مدى السنوات الوصول إلى الشبكة في أوقات الاضطرابات.
لا تعليق