للمرة الثالثة خلال 24 ساعة.. قصف إسرائيلي لمعبر رفح
للمرة الثالثة خلال 24 ساعة.. قصف إسرائيلي لمعبر رفح
في ظل انعدام أي مؤشرات تقود إلى “التهدئة” ومع طغيان مشهدٍ ضبابي تخيم عليه لغة التهديد والنار، أعلنت تركيا استعدادها لأداء “دور الوساطة” بين إسرائيل وحركة “حماس” الفلسطينية. ورغم أن هذا الموقف ما زال معلقا كغيره من المواقف التي أبدتها دولٌ أخرى، تحدث مراقبون عن أسباب تدفع أنقرة لسلك هذا الطريق حاليا.
وقال الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان ليلة الاثنين: “نحن في تركيا نريد أن نؤكد للجميع أننا جاهزون لأي نوع من الوساطة بما في ذلك تبادل الأسرى، في حال طلبت الأطراف منا ذلك”، مضيفا: “كما أننا نقوم بالاستعدادات لتأمين المساعدات الإنسانية لأهالي غزة”.
وجاء ذلك بعدما أجرى سلسلة اتصالات هاتفية تضمنت حديثه مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس والرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، فضلا عن تواصلات مع رؤساء دول، بينها قطر ومصر وماليزيا ورئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي.
وبالتوازي أجرى وزير خارجية تركيا، حقان فيدان سلسلة اتصالات هاتفية كان أولها مع نظيره الأميركي، أنتوني بلينكن، السبت، كما شملت حركته الدبلوماسية أيضا اتصالات مع نظرائه في السعودية وقطر وفلسطين ومصر وإيران.
وحتى الآن لا توجد أي بوادر “تهدئة”، بعدما أطلقت “حماس” هجوما السبت الماضي، أسفر عن أكثر من 900 شخص، فيما قابلت إسرائيل ذلك بشن حملة قصف على قطاع غزة، ما أدى إلى سقوط 770 قتيلا و4 آلاف جريح، حسب آخر بيانات وزارة الصحة الفلسطينية.
وحشدت إسرائيل، في الأيام الماضية، عشرات آلاف الجنود في محيط قطاع غزة الذي يعيش فيه 2.3 مليون شخص، وسط تضارب تحليلات وقراءات عما ستؤول إليه الأيام المقبلة، وما إذا كانت الأصوات التي تدعو إلى “التهدئة” و”الوساطة” ستحدث أثرا أم تلقى استجابة.
واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بينيامين نتانياهو، الاثنين، أن الضربات الجوية على حماس في غزة “مجرد بداية”، مؤكدا أن كل مكان تنشط فيه الحركة سيتم تدميره لأن عددا من المسلحين الفلسطينيين ما زالوا داخل إسرائيل.
وقبله أعلن وزير الدفاع، يوآف غالانت أنه “أمر بفرض حصار شامل على قطاع غزة”، بقوله: “لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود”.
في المقابل، هددت حركة “حماس” بأنها ستبدأ في إعدام مختطف مدني إسرائيلي مقابل أي قصف إسرائيلي جديد على منازل المدنيين من دون إنذار مسبق.
وقال متحدث باسم الجناح العسكري للحركة، الاثنين، إنهم “يتصرفون وفقا للتعليمات الإسلامية من خلال الحفاظ على سلامة الأسرى الإسرائيليين وسلامتهم”، وألقى باللوم في هذه الخطوة “على القصف الإسرائيلي المتزايد وقتل المدنيين داخل منازلهم في غارات جوية من دون سابق إنذار”.
“لهجة محايدة”
وتعتبر تركيا واحدة من عدد قليل من الدول التي تتمتع بعلاقات قوية مع جميع الأطراف في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بما في ذلك “حماس”. وكان رئيسها إردوغان يترقب زيارة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بين شهري أكتوبر ونوفمبر، حسب ما أعلن في وقت سابق.
ومنذ السبت، أي تاريخ هجوم “حماس”، استخدمت وزارة الخارجية التركية لهجة محايدة، وبينما لم توجه أصابع الاتهام إلى إسرائيل أو “حماس”، أكدت بدلا عن ذلك أنها “تدين بشدة” الخسائر في أرواح المدنيين وأنها “على اتصال مع جميع الأطراف المعنية للمساعدة في إنهاء النزاع”.
وفي حين طالب إردوغان “الإدارة الإسرائيلية بوقف قصفها للأراضي الفلسطينية لاسيما قطاع غزة”، طالب “الفلسطينيين بوقف تحرشاتهم ضد التجمعات السكنية المدنية في إسرائيل”.
واعتبر في خطاب ليلة الاثنين أن “هذه الخطوة المعتدلة ستمهد الطريق أمام السلام”، وأن “اليوم ليس يوم الانفعال والاندفاع بل التحرك بمنطق الدولة وهدوء الأعصاب والامتثال للضمير الانساني”.
ويعتقد المحلل السياسي التركي، محمود علوش أن “تركيا تسعى للموازنة بين موقفها الأخلاقي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني من جهة، وبين الدبلوماسية كوسيلة لتجنيب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والمنطقة كاملة ويلات جديدة”، وذلك “لأن الصراع يقترب من الخروج عن السيطرة ويمكن أن يتحول في أي لحظة إلى حرب متعددة الأطراف على مستوى المنطقة”.
وانطلاقا من ذلك يقول علوش لموقع “الحرة”: “تتحرك الدبلوماسية التركية لأن أي انهيار في الأمن الإقليمي سيكون له تداعيات كبيرة على تركيا، وهي جزء من المنطقة وتتأثر بما يجري فيها، سواء من حيث عوامل الاستقرار أو عوامل الانهيار الإقليمي”.
وتريد أنقرة من خلال النهج الذي تتبعه في مقاربة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تحقيق ثلاثة أهداف، أولها “تعزيز موقفها المتوازن بين دعم الفلسطينيين والحفاظ على الوضع الجديد في العلاقات مع إسرائيل”.
أما الهدف الثاني، وفق المحلل التركي، “فهو الدفع باتجاه خلق وسائل لتهدئة حدة الصراع، وتحويله إلى فرصة لإعادة تنشيط عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية”.
ويضيف من نقطة ثالثة أن “أنقرة تتحسب من تحول الصراع لحرب متعددة الأطراف. هذه الحرب ستؤدي إلى إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية”، وأن “تركيا لا تريد أن تكون جزءا من أي صراع إقليمي إقليمي في هذه المرحلة بالتحديد”.
ولا تعتبر تركيا حماس منظمة إرهابية، وكان إردوغان قد التقى بزعيمها، إسماعيل هنية، في يوليو الماضي مع رئيس السلطة الفلسطينية عباس في أنقرة، في إطار محاولة لإصلاح العلاقات بين الزعماء الفلسطينيين المتنافسين.
وفي غضون ذلك، كان الرئيس التركي قد التقى برئيس الوزراء الإسرائيلي، نتانياهو، في نيويورك مؤخرا، وهي خطوة تبعت سلسلة خطوات لإعادة تطبيع العلاقات بين الطرفين بشكل كامل، بعد سنوات من الجمود.
ماذا عن “الوساطة”؟
ولم تبد إسرائيل أي بادرة إيجابية حيال “جهود الوساطة” التي لا يقتصر إطلاقها على تركيا، بل تشمل قطر ومصر، حسب ما ذكرت وسائل إعلام غربية.
وفي أعقاب هجوم حماس في السابع من أكتوبر، وبعد الاتصال الهاتفي بين وزير خارجية تركيا فيدان ونظيره الأميركي، أنتوني بلينكن، قالت سفيرة إسرائيل لدى أنقرة، إيريت ليليان، إنه “من السابق لأوانه الحديث عن عروض وساطة بين إسرائيل وحركة حماس “.
وأضافت ليليان أن “الهجمات تظهر أنه لا ينبغي أن يكون لحماس أي وجود في تركيا أو في أي مكان آخر”، مؤكدة أن “أولوية إسرائيل هي الرد على الهجوم”.
وأردفت السفيرة قولها “تأتي الوساطة في وقت مختلف. الآن نحن، للأسف، نحصي القتلى ونحاول معالجة الجرحى، ولا نعرف حتى عدد المواطنين المخطوفين”. وتابعت: “نريد عودة جميع المخطوفين إلى ديارهم ونريد عودة الهدوء والسكينة إلى إسرائيل والمنطقة… بعد ذلك يمكننا الحديث عن وساطة ومن سيقومون بأدوار في هذه الوساطة”.
ويوضح المحلل السياسي الإسرائيلي، إيلي نيسان أنه “في الوقت الحاضر، لن تكون هناك أي فكرة من أي جهة مطروحة على بساط البحث فيما يتعلق بالوساطة”.
ويقول لموقع “الحرة”: “لا يمكن لإسرائيل أن تقبل الوساطة حتى تصفي الحساب مع حماس”.
وأضاف: “هناك أفكار باجتياح قوات جيش الدفاع في قطاع غزة لاستئصال كل القوة التابعة ليحيى السنوار ومحمد الضيف. وبعد استئصال هذه القوة ربما إسرائيل ستفكر بعروض الوساطة”، وفق نيسان، ويتابع: “إسرائيل تريد إسقاط نظام حماس في قطاع غزة”.
وكلما تصاعدت وتيرة الصراع كلما حدّ من قدرة تركيا أو قوض قدرتها على الحفاظ على النهج المتوازن نسبيا أو جزئيا، وفي حال رفعت إسرائيل سقف ردها يعتقد المحلل السياسي علوش أن “تركيا ستكون مجبرة في نهاية المطاف على إظهار التعاطف القوي مع الفلسطينيين”.
ومع ذلك يرى علوش أن “الوضع الإقليمي الخطر حاليا يفرض على تركيا وبقية القوى الفاعلة في المنطقة أن تركز جهودها على كيفية الحد من مخاطر الصراع، وتحوله إلى حرب إقليمية متعددة الأطراف”.
ومن غير المتصور أن تمضي العلاقات الإسرائيلية التركية في ظل هذا التصعيد الكبير، ولذلك أحد أهداف تركيا “هو الدفع باتجاه التسوية أو مسار السلام وتهدئة الصراع، من أجل الحفاظ على علاقتها الجديدة مع إسرائيل، لأنها حيوية بالنسبة لمصالحها الإقليمية ووضعها الجيوسياسي في شرق البحر المتوسط”، حسب حديث المحلل السياسي.
“الصراع غير واضح”
وفي إشارة إلى أن العثمانيين حكموا القدس لأكثر من أربعة قرون، قال إردوغان إن تركيا ستكثف الجهود الدبلوماسية لنزع فتيل الأزمة، ومع ذلك أضاف أن “إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتكاملة جغرافيا على أساس حدود ما قبل عام 1967 وعاصمتها القدس (الشرقية) ضرورة لم يعد من الممكن تأجيلها”.
وقال رئيس البرلمان التركي، نعمان قورتولموش، الثلاثاء، إن” باب السلام العالمي هو السلام في الشرق الأوسط، وباب السلام في الشرق الأوسط هو حل القضية الفلسطينية حتى قيام فلسطين حرة”.
وأضاف: “نأمل أن تتوقف الصراعات وأن تنتهي الخسائر البشرية وأن يفي المجتمع الدولي بمسؤولياته”.
واعتبر أيضا حليف إردوغان زعيم “حزب الحركة القومية”، دولت باهتشلي أن “التعامل مع الأزمة واسعة النطاق بين إسرائيل وفلسطين بالحس السليم وتفعيل الوسطاء في أسرع وقت ممكن يجب أن يكون على جدول الأعمال العاجل للمجتمع الدولي”.
وتقول كاتبة العمود في صحيفة “حرييت”، فوليا سويباش: “حتى الآن لا نعرف ما إذا كانت مصر أو تركيا أو دولة أخرى ستكون الوسيط، لكن الأجندة الأساسية للدولة أو الدول الوسيطة ستكون بلا شك رهائن”.
وأوضح الكاتب المقرب من الحكومة، عبد القادر سيلفي، أن “أحد المواضيع الرئيسية لاجتماع وزير الخارجية حقان فيدان مع وزراء خارجية الدول الأخرى هو إنقاذ الرهائن المدنيين”.
و”تبذل تركيا جهودا لإطلاق سراح الرهائن المدنيين، وخاصة النساء والأطفال. ولكن مع استمرار الاشتباكات، من المتوقع أن يستغرق فعل ذلك بعض الوقت”، حسب سيلفي.
من جهتها، تشير الكاتبة والصحفية التركية، هاندي فيرات، إلى أن “استراتيجية تركيا الجديدة صالحة للصراعات في المنطقة، والمناطق التي تهم أنقرة بشكل وثيق”.
وتتلخص الاستراتيجية الجديدة بالبنود التالية: تقليل جرعة العنف الموجود. يجب أن ينتهي العنف تماما، جمع الأطراف عبر آلية الوساطة، توفير حل دائم”، وفق الكاتبة.
ويرى المحلل السياسي علوش أن “قدرة تركيا أو أي قوة دولية وإقليمية على تهدئة الصراع تبدو محدودة، لأننا لا نتعامل مع مواجهة عسكرية تقليدية. نحن نتحدث عن حرب تنظر فيها إسرائيل على أنها تشكل تهديدا وجوديا”.
ولذلك “تسعى إسرائيل إلى إعادة الاعتبار لمفهوم الردع الذي انهار بشكل صادم في هجوم حماس، بينما تتعاطى الأخيرة مع الصراع على أنه وجودي للقضية ولذلك تسعى إلى نصر”.
و”هذه المعركة حاسمة في تاريخ الصراع وهي معركة مفصلية في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”، والأهم فيها وجود إيران، وفق المحلل.
وكل الظروف السابقة، من وجهة نظر المحلل السياسي، “لا تساعد تركيا أو أي دولة على الدفع باتجاه تهدئة الأوضاع”.
ويتابع: “في الوقت الحالي ربما لن يستطيع أي طرف أن يتحرك في مسار الوساطة قبل أن يظهر ما يمكن لنتانياهو فعله عسكريا على الأرض في قطاع غزة”، لكن في المقابل يرى علوش أن “الوساطة لا مفر منها سواء الآن أو بعد فترة”.
لا تعليق