أودت العاصفة دانيال، التي أحدثت دمارا في منطقة البحر المتوسط على مدى أسبوع، بحياة 15 شخصا في وسط اليونان بعد أن تسببت في هطول أمطار غزيرة، سجل فيها منسوب المياه مستوى قياسيا، قبل أن تجتاح ليبيا حيث لقي آلاف الأشخاص حتفهم في فيضان جارف.
وقال متحدث باسم وزارة الداخلية في الحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي، في تصريحات لوسائل إعلام ليبية، الثلاثاء، إن عدد قتلى الفيضانات في درنة وحدها تجاوز 5200 شخص.
ومع تحرك العاصفة على ساحل شمال أفريقيا، سعت السلطات المصرية إلى تهدئة مواطنيها القلقين بإخبارهم أنها فقدت قوتها أخيرا. وكتبت صحيفة الأهرام في طبعتها الإلكترونية باللغة الإنكليزية “لا داعي للذعر!”.
لكن ظاهرة الاحتباس الحراري تعني أن المنطقة قد تضطر في المستقبل إلى الاستعداد لعواصف متزايدة القوة من هذا النوع، الذي يوازي ما يُعرف بإعصار البحر المتوسط (ميديكين).
ويقول، الدكتور ريتشارد سيجر، من مرصد لامونت دورتي الأرضي في جامعة كولومبيا إن “أعاصير ميديكين تشبه إلى حد كبير الأعاصير” الاستوائية، مضيفا في تصريح لشبكة “سي.أن.أن” إنه نظرا لأن أعاصير ميديكين “محصورة جغرافيا فوق البحر الأبيض المتوسط ومحاطة باليابسة”، فهي عادة ما تكون أصغر من الإعصار وغالبا ما تتبدد بشكل أسرع.
لكن، سوزان غراي، من قسم الأرصاد الجوية في جامعة ريدينغ البريطانية نقلت عن تقرير للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن “هناك أدلة ثابتة على أن تواتر ’ميديكين’ يتناقص في ظل الاحتباس الحراري، لكن يزداد قوة”.
ونقل موقع “سبيس” عن غري قولها: “يُعتقد أن تغير المناخ يزيد من شدة عواصف البحر الأبيض المتوسط، ونحن واثقون من أن تغير المناخ يؤدي إلى زيادة هطول الأمطار المرتبطة بمثل هذه العواصف”.
وتابعت “سيكون من المثير للاهتمام تقييم ما إذا كان إجمالي كمية الأمطار في شرق ليبيا غير ممكن من الناحية المادية من دون تغير المناخ. ومع ذلك، هذا سؤال معقد يجب أن تأخذ الإجابة عليه في الاعتبار أي تغييرات في مسار العاصفة بالإضافة إلى إجمالي كمية الأمطار”.
وتتطلب الأعاصير درجات حرارة مياه سطح البحر بـ 26 درجة مئوية (79 درجة فهرنهايت) لتكوينها وتقويتها، بينما من المعروف أن أعاصير البحر المتوسط تتشكل في درجات حرارة مياه تبلغ 15 درجة مئوية (59 درجة فهرنهايت) فقط.
ووصلت العاصفة التي تشكلت في الرابع من سبتمبر إلى اليونان في أعقاب فترة شهدت زيادة في درجات الحرارة وحرائق غابات.
وفي ليبيا، أدت السيول الناجمة عن العاصفة العاتية، والتي انهمرت من التلال على أحد الأودية التي عادة ما تكون جافة، إلى انهيار سدين واجتياح ربع مدينة درنة الواقعة في شرق البلاد.
وقال الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر إن هناك مخاوف من فقدان ما لا يقل عن 10 آلاف شخص.
وقال خبير المناخ، خريستوس زيريفوس، الأمين العام لأكاديمية أثينا، إن بيانات العواصف لم يتم جمعها بالكامل بعد، لكنه قدر أن منسوب مياه الأمطار التي تهطل على ليبيا يبلغ مترا، أي ما يعادل ما سقط على ثيساليا بوسط اليونان خلال يومين.
وأضاف أن ذلك كان “حدثا لم يسبق له مثيل” وأن كمية الأمطار التي غمرت المنطقة كانت أكبر من أي وقت مضى منذ بدء التسجيل في منتصف القرن التاسع عشر.
وقال “نتوقع تكرار مثل هذه الظواهر كثيرا”.
لكن خبراء آخرين قالوا إن التأثير على البلدان المحيطة بالبحر المتوسط سيكون متفاوتا وأكثر تدميرا بالنسبة للدول التي تفتقر إلى وسائل الاستعداد للعواصف.
وليبيا معرضة للخطر بشكل خاص بعد معاناتها من الفوضى والصراع على مدى يزيد على عشر سنوات ومن عدم وجود حكومة مركزية فيها يمكنها الوصول إلى جميع أنحاء البلاد.
وقال ليزلي مابون، المحاضر في مجال النظم البيئية بكلية لندن للأبحاث التابعة للجامعة المفتوحة في بريطانيا، “الوضع السياسي المعقد وتاريخ الصراع الذي طال أمده في ليبيا يشكلان تحديات أمام تطوير استراتيجيات التواصل بشأن المخاطر وتقييم المخاطر، وتنسيق عمليات الإنقاذ، وربما كذلك في ما يتعلق بصيانة البنية التحتية الحيوية مثل السدود”.
وحذر عبد الونيس عاشور الخبير في علوم المياه من جامعة عمر المختار الليبية قبل وصول العاصفة دانيال من أن الفيضانات المتكررة لهذا الوادي تشكل تهديدا لدرنة.
لكن حتى اليونان، التي تتمتع بموارد أفضل، واجهت ظروفا صعبة للتعامل مع قوة العاصفة دانيال التي جرفت منازل وأدت لانهيار جسور وتدمير طرق وسقوط خطوط للكهرباء وتدمير المحاصيل في سهل ثيساليا الخصب.
وقالت السلطات اليونانية الاثنين إنها أجلت ما يربو على 4250 شخصا من القرى والتجمعات السكنية في المنطقة.